زيارة بيربوك إلى سوريا وأبعادها الثقافية والسياسية بين المصافحة والدبلوماسية
في عالم السياسة الدولية، لا تقتصر العلاقات بين الدول على البروتوكولات الدبلوماسية فقط، بل تتداخل معها التحديات الثقافية والاجتماعية التي تشكل في بعض الأحيان تحديات غير متوقعة. زيارات المسؤولين الرسميين إلى دول تتسم بأنظمتها المتشددة ثقافيًا، تتطلب حكمة ومرونة دبلوماسية، حيث يجب على هؤلاء المسؤولين، وخاصة النساء، أن يتعاملوا مع عادات وتقاليد قد تكون بعيدة تمامًا عن المفاهيم التي نشأوا عليها. ومن بين هذه الزيارات التي لاقت الكثير من الاهتمام كانت زيارة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى سوريا، والتي أثارت جدلاً واسعًا، خاصة بعد حادثة رفض أحمد الشارع، المسؤول عن الحكومة المؤقتة في سوريا، مصافحتها.
Von Darya Farman & Noha Salom
انت هذه الزيارة فرصة لفهم التحديات التي تواجه النساء في السياسة والدبلوماسية، وكيف يمكن أن تتشابك القيم الثقافية مع الأهداف السياسية والإنسانية. كانت بيربوك، بحكم منصبها ودورها البارز في الحكومة الألمانية، تمثل بلدها في مسعى لتحقيق تقدم في القضايا الإنسانية والسياسية في سوريا. إلا أن حادثة المصافحة التي حدثت في بداية اللقاء مع أحمد الشارع كانت بمثابة اختبار غير متوقع لموقفها كممثلة عن بلادها وامرأة في منصب دبلوماسي.
لكن ما حدث في هذا اللقاء كان أكثر من مجرد حادثة بروتوكولية، بل كان بمثابة نقطة انطلاق لفهم التحديات التي تواجه المرأة في سياقات ثقافية ودينية متشددة، ولإبراز التفاوتات الكبيرة بين الصحفيات والسياسيات عند التعامل مع هذه القيود. في هذا التقرير، نستعرض تلك الحادثة بأبعادها الثقافية، ونقارن بين زيارات الصحفيات والسياسيات، كما نتناول ردود الفعل على الحادثة من الإعلام الألماني والسوري.
زيارة بيربوك إلى سوريا: دوافع الزيارة وأهدافها
الزيارة التي قامت بها أنالينا بيربوك إلى سوريا جاءت في إطار جهود الحكومة الألمانية لتعزيز التعاون في القضايا الإنسانية. هدف الزيارة كان رئيسًا هو دعم المساعدات الإنسانية للسوريين، وخاصة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في شمال سوريا. هذه الزيارة كانت تمثل خطوة دبلوماسية في مسعى لتحقيق تقدم في حل الأزمة السورية، وكانت تتزامن مع الجهود الأوروبية لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
كان برفقة بيربوك وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، في زيارة مشتركة، حيث سعى الطرفان إلى تبادل الرؤى بشأن الوضع السياسي في سوريا وتعزيز التعاون في مواجهة الأزمات الإنسانية المستمرة. في هذا السياق، كانت الزيارة تعد فرصة للمطالبة بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المعارضة.
حادثة المصافحة: تفاعلات ثقافية وسياسية
أثناء لقائها مع أحمد الشارع، المسؤول عن الحكومة المؤقتة في سوريا، رفض الأخير مصافحة بيربوك. هذه الحادثة كانت في سياق ثقافي يعكس القيود التي تفرضها بعض الأنظمة على النساء. في العديد من الثقافات في الشرق الأوسط، بما في ذلك بعض الجماعات في سوريا، يُعتبر أن المصافحة بين الرجال والنساء غير مقبولة وفقًا للتقاليد الدينية والاجتماعية. بيربوك كانت على دراية بهذه القيود الثقافية ولم تفاجأ بالموقف، لكنها اختارت عدم إبداء رد فعل قوي على الحادثة. بعد اللقاء، كتبت على صفحتها الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي منشورًا يظهر صورة لها تمسك يديها معًا، معلقة على الحادثة: “أحيانًا، يكون على المرء أن يُحيي نفسه”، وهي رسالة تشير إلى قدرتها على تجاوز المواقف الصعبة والتمسك بمبادئها في وجه القيود الثقافية.
الإعلام الألماني
بعد الحادثة، كانت وسائل الإعلام الألمانية، مثل “دير شبيغل” و”فرانكفورتر ألغيماينه”، تتابع الحادثة عن كثب. تناولت الصحف رفض المصافحة كرمز للاختلافات الثقافية التي قد تواجهها النساء في السياسة، مشيرة إلى أن الحادثة تُظهر الفجوة الكبيرة بين القيود الاجتماعية في بعض الدول العربية، وخاصة سوريا، وبين السعي لتحقيق المساواة في المعاملات الدولية.
الإعلام السوري
في سوريا، اختلفت ردود الفعل، حيث كان هناك توجيه للأنظار نحو الصورة التي تظهر فيها بيربوك خلال اللقاء، حيث قامت بعض المواقع الإعلامية السورية بتمويه وجهها، في خطوة اعتُبرت محاولة لتقليص حضور المرأة في الساحة الدبلوماسية. الإعلام السوري اهتم بالمصافحة كإشارة رمزية لفشل محاولة بيربوك في اختراق التقاليد الثقافية.
هذا الجدل الذي اخد حيزا كبيرا من الساحة الاعلامية ككل اهو حق او عدل، لكن الواضح انه انزعاج للبعض من عدم مصافحة الشرع الملقب بالجولاني للوزيرة الالمانية انالينا بيربوك.
قد نبرر له هذا التصرف تحت بند الحرية الشخصية لكن من الواضح انه تصرف مبني على مبدأ ديني او اجتماعي وهذا ما تم التصريح به لاحقا.
هل تممكن المقارنة باليابانيين الذين ينحنون ولا يصافحون أحد؟ فيها وجهة نظر. و لكن.... !!!
اليابانيون ينحنون للجميع ولا يصافحون، نساءا و رجالا، كباراً و صغارا ، من باب الاحترام والتبجيل، قهم اصلا يعتقدون بأن المصافحة فيها قلة تقدير للشخص، و هي طريقة التحية التقليدية المعتمدة في ثقافتهم كمجتمع اما عدم مصافحة النساء فقط و بسبب انهم نساء على خلفية انهن "ناقصات" او "تنجسن" الرجل التقي و المؤمن، وتنقض الوضوء. فهذا ليس تعبيرا عن احترا م أو تبجيل، انما العكس تماماً، وهذا يعني ان الشرع اختصر هذه الوزيرة بغض النظر عما حققته وتشغله من منصب، اختصرها بمجرد "حرمة" و هنا تكمن الطامة الأكبر أن صح التعبير وليس فقط خطأ دبلوماسی و سیاسي من طرفه.
هناك من يقول ان اليهود المتشددين والايرانيين لا يصافحون، فلا اعتقد اننا نريد ان نتشبه بهم ايضا.
كاملا هاريس نائبة الرئيس الأميركي ايضا رفض
زوج السيناتور الجمهوري ديب فيشير بروس مصافحة يدها التي بقيت ممدودة خلال مراسم تأدية اليمين الدستوري.. مما أكد وجود مشاعر الكراهية من طرفه.
وجدير بالذكر انه في زمن كورونا اضطر الناس في جميع أنحاء العالم لتغيير عاداتهم اليومية في العمل والمنزل، لتقليل خطر الإصابة بفيروس كورونا ومنع انتشاره. والله كانت الناس مرتاحة وقتها ههه حيث رفض وزير الداخلية الألماني هولستن زيهوفر مصافحة ميركل خوفا من العدوى.. لكن زملاءه ضحكوا لفعلته هذه.
نذكر أيضا الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي تجنب مصافحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد جلسة مباحثات جمعتهما في القدس خلال زيارة ترامب لتل أبيب في 22 مايو\ أيار 2017م.
ليست المرة الأولى التي يتجنب فيها ترامب مصافحة رئيس آخر، إذ سبق أن رفض الرئيس الأمريكي مصافحة المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في أول لقاء جمعهما في البيت الأبيض بتاريخ 18 مارس/آذار 2017.
الصحفية التي قابلت أحمد الشارع: ارتداء الحجاب كشرط ثقافي
قبل بيربوك، كانت هناك صحفية غربية قد أجرت مقابلة مع أحمد الشارع، وظهرت فيها وهي ترتدي الحجاب. هذا الأمر لاقى اعتراضًا في بعض الأوساط السورية التي اعتبرت أن ارتداء الحجاب من قبل الصحفية كان بمثابة تراجع عن المبادئ الشخصية مقابل التكيف مع التقاليد الثقافية.
البعض رأى في ذلك تنازلاً غير مبرر، بينما اعتبر آخرون أن هذا التصرف كان خطوة استراتيجية لتحقيق أهداف مهنية في بيئة غير مرحبة.
الفرق بين زيارات الصحفيات والسياسيات: التحديات والقيود
تواجه الصحفيات والسياسيات تحديات مختلفة عند زياراتهن إلى الدول المتشددة ثقافيًا:
1. زيارات الصحفيات: الصحفيات يقمن بزيارة الدول ذات الأنظمة المتشددة بغرض تغطية الأحداث السياسية والإنسانية. في هذه الزيارات، قد يضطررن للتكيف مع القيم الثقافية المحلية، مثل ارتداء الحجاب أو الامتناع عن المصافحة، ما قد يحد من تعبيرهن عن مبادئهن الشخصية. ولكن مع ذلك، قد ترى بعض الصحفيات أن التكيف هو خيار مهني ضروري لتحقيق النجاح في بيئة مشددة.
2. زيارات السياسيات: السياسيات، مثل بيربوك، لا تكون زياراتهن مجرد مهمات صحفية بل هي مهام دبلوماسية تمثل مصالح بلدانهن. بينما تتعرضن أيضًا لضغوط ثقافية، فإنهن يتمتعن بمزيد من الحماية البروتوكولية والقدرة على التركيز على القضايا السياسية. لكن في الوقت ذاته، يجب عليهن التكيف مع القيود الثقافية في بعض الحالات حفاظًا على المصلحة العليا لدولهن.
أمثلة على الصحفيات اللواتي تحدين الواقع
1. شيرين أبو عاقلة: الصحفية الفلسطينية الشهيدة كانت مثالاً حيًا لشجاعة الصحافة المهنية. على الرغم من المخاطر التي تعرضت لها أثناء تغطيتها الأحداث في فلسطين المحتلة، لم تتراجع عن التزامها بنقل الحقيقة.
2. كريستيان أمانبور: الصحفية الأمريكية الشهيرة في “سي إن إن”، التي رفضت ارتداء الحجاب أثناء مقابلتها مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في 2019. على الرغم من إلغاء المقابلة، فإن أمانبور أصبحت رمزًا للتمسك بالمبادئ المهنية دون الخضوع للضغوط الثقافية.
هذا ناهيك عن ذكر مثال الفتاة التي اشتهرت مؤخرا بسبب بطل حلقتنا اليوم أحمد الشرع قائد المرحلة الانتقالية والملقب بالجولاني، وهو قد طلب منها ان تضع غطاء الرأس لكي يسمح لها باخذ صورة تذكارية معه وقد قابلته بالصدفة في الشارع...
فاين آمال السوريين والسوريات الكبيرة والحرية المنشودة المبتغاة في الحياة الكريمة من دون قيود ومحظورات..
لقد زادت تصريحات وزيرة شؤون المرأة في حكومة تصريف الأعمال السورية عائشة الدبس بأن "مسؤوليات المرأة السورية وفطرتها وأولوياتها تتمثل بأسرتها وزوجها" وذلك بالارتكاز على الشريعة الإسلامية في الدستور المقبل، ونفي مسألة تولّي النساء مناصب في السلطة القضائية، مخاوف عديدة من المستقبل وخصوصا فيما يتعلق بالمرأة.
لكن من الواضح انه لن تكون هناك سوريا دون مشاركة النساء.
النساء في سوريا: القيود والفرص الضئيلة
على الرغم من وجود بعض النساء في المشهد السياسي السوري، سواء في المعارضة أو في ما يسمى بـ “المجلس الوطني السوري”، فإن دورهن يظل محدودًا بشكل عام. الثقافة السورية، سواء في المناطق التي يسيطر عليها النظام أو في مناطق المعارضة، تضع قيودًا كبيرة على المشاركة النسائية في السياسة. النساء لا يزلن يعانين من تهميش في مجال اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية.
مريم رجوي تعد من أبرز الشخصيات المعارضة للنظام الإيراني، وقد تميزت بمواقفها الشجاعة والداعمة لحقوق النساء في إيران. في هذا السياق، كانت مواقفها من الحجاب الإجباري وتحديها له محط اهتمام كبير.
مريم رجوي ترفض الحجاب الإجباري الذي يفرضه النظام الإيراني على النساء، وتعتبره رمزًا من رموز القمع والتسلط الذي يمارسه النظام ضد المرأة. هي تدعو إلى إلغاء فرض الحجاب على النساء في إيران، وتؤكد أن الحجاب يجب أن يكون قرارًا شخصيًا حرًا للمرأة، لا تفرضه السلطة أو القوانين. وتعتبر أن حرية اختيار الملابس، بما في ذلك الحجاب، هي جزء من حرية التعبير عن الذات والحقوق الأساسية للإنسان.
منذ بداية نضالها السياسي، لم تتوقف مريم رجوي عن تقديم صورة قوية من خلال رفضها التام للقيود التي يفرضها النظام الإيراني على النساء، بما في ذلك الحجاب. في العديد من خطاباته، طالبت رجوي بإلغاء “الديكتاتورية الدينية” في إيران التي تجعل من الحجاب رمزًا للتمييز ضد المرأة، معتبرة أن تحرر المرأة جزء لا يتجزأ من التحول السياسي في البلاد.
مواقف مريم رجوي من الحجاب الإجباري تتناغم مع رسالتها العامة حول حقوق الإنسان، حيث تروج لفكرة أن الحرية والمساواة يجب أن تكون من خلال خيارات فردية وحرة، بعيدة عن سيطرة الحكومة أو الدين.
الحجاب والمصافحة هما رمزان يعكسان القيود الاجتماعية والدينية المفروضة على النساء في بعض المجتمعات المتشددة. الحجاب يُستخدم كوسيلة للتمييز والتحكم في النساء، إذ يُفرض عليهن في بعض الدول كجزء من التقاليد الدينية والسياسية. أما المصافحة فهي إيماءة اجتماعية تحمل رمزًا للعلاقات الإنسانية والتفاعل بين الأفراد، لكن في بعض البلدان تُعتبر أيضًا مُحرمّة أو غير مقبولة بين الرجال والنساء، مما يعكس تقييد حرية النساء في التفاعل.
هذه الرموز، الحجاب والمصافحة، تصبح محورية عندما تلتقي السياسيات أو الصحفيات في هذه البلدان، حيث يجدن أنفسهن أمام خيار بين التكيف مع القيم المحلية أو التمسك بمبادئهن الشخصية.